| |||||
| |||||
قد يتبادر إلى ذهن الشخص وهو يرى كل الطرق المؤدية إلى سوق الخضراوات المركزي في الدوحة مكتظة بشكل غير مألوف قبيل وقت صلاة العشاء ليالي رمضان، أن الباعة والمشترين ضربوا موعدا لا يخلفه منهم أحد. لكنه سيتفاجأ عندما يرى أن الزحام يشتد أكثر فأكثر كلما اقتربت الجموع من نقطة جنوبي هذا السوق، ثم ما يلبث الجميع أن يختفي تحت تلك القبة البيضاء الكبيرة التي تعلو مسجد أنس بن مالك, فهناك يصطف الرجال خلف الإمام عبد الرشيد عالي صوفي وتصطف النسوة في مصلاهن العلوي لأداء الفريضة والتراويح. إنهم يريدون الاستمتاع بالاستماع للشيخ عبد الرشيد وهو يتلو القرآن بهذه القراءة أو تلك, فهو "فذ في هذا العصر في ضبطه للروايات وعدم اختلاطها عليه عندما يقرأ بها" كما يصفه المفتي المختص في علم رسم القرآن الشيخ عبد الله العباد. ويقف هذا الرجل ذو الـ45 ربيعا والذي منّ الله عليه ببسطة في الجسم كالطود وهو يتلو بصوته الشجي كتاب الله العزيز, وكلما شرد ذهن المصلي أو كلت قواه فاجأه "بتغيير" هذه الكلمة أو تلك, فيبدل التاء ياء أو الباء ثاء أو الراء زايا, وقد يميل هذه الكلمة أو يسهل همزة أخرى.. إنها اختلافات القراءات.
فأمثال الشيخ عبد الرشيد -وهو قطري من أصل صومالي- كثر في الحفظ والأداء كما يقول الشيخ العبّاد, لكنه فريد من نوعه في ضبط الروايات, وهو يحيي ليالي رمضان بتراويح وتهجد يقرأ فيهما بالقراءات العشر, ويبرر ذلك بالقول إنها تعين على التدبر وتكشف جانبا من الإعجاز القرآني. ولا تنقصه الحجج للدفاع عن نهجه في نشر الروايات المختلفة، فيكشف زيف القائلين بأن رواية حفص عن عاصم -المنتشرة في كل أنحاء العالم- هي القراءة التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ بها وأن باقي القراءات إنما أذن بها. لماذا حفص؟ وهدوء عبد الرشيد ورباطة جأشه لم تكدرهما رحلته الأولى الاضطرارية مع عائلته ووالده المقرئ علي صوفي تحت وطأة الحرب في موطنهم الأصلي أوغادين, ولا أثرت فيهما الأخبار التي تقشعر لها الأبدان حول ما يجري في مقديشو غير بعيد عن مسجد والده وشيخه الذي كان إلى وقت قريب منارة علم في مقديشو. فهو يسلي نفسه عن كل ذلك بحرصه الشديد وثباته المنقطع النظير على أن يظل مسجد أنس بن مالك بالدوحة منبرا يصدح منه صوت القرآن بروايات كل القراءات العشر. في مسجد الدوحة ولذلك لم يفلح استجداء المؤذن مرسي ولا تحذيره من هجر الناس للمسجد إن لم تخفف الركعات ويقلل عددها، كما لم يفلح اعتراض بعض المهتمين بالعلم على العشرين ركعة في ثني صوفي عن الصلاة بتلك الكيفية المطبقة أيضا في الحرمين وعليها إجماع الأئمة الأربعة, حسب قوله. ولا يريد عبد الرشيد للخير المتمثل في نشر القراءات أن يظل حبيس تلك المنطقة من الدوحة, بل يسعى جاهدا لتسجيل كل تلك الروايات في إستديوهات بالقاهرة وتحت إشراف كوكبة من علماء الأزهر.
حرف من القرآن ويفاجئك الرجل الذي يصف نفسه بأنه "طويلب علم" في فن القراءات رغم إتمامه حفظ القرآن الكريم وهو ابن عشر سنين, بإلمامه الكبير بما يتطلبه الإتقان النظري والتطبيقي لهذا الفن رسماً ومشافهة. فيكشف لك هذا الرجل الذي يصفه الشيخ العبّاد "بحسن الخلق وطيب الشمائل"، سر اشتهار السبعة دون العشر, ويحدثك عن كتاب السبعة لابن مجاهد ولامية الشاطبي قبل أن يدخلك جو "طيبة النشر" لابن الجزري التي تضمنت ضوابط القراءات العشرة المتواترة. ثم يحصي أسماء أئمة القراءات: نافع وابن كثير وأبو عمر وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وأبو جعفر ويعقوب وخلف العاشر، قبل أن يردف قائلا هل أحصيت عشرا؟ ولسان حاله يقول "كل من عند الله, فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا" صدق الله العظيم. |
--
SFI000123 Group
للإشتراك بالمجموعة أرسل رسالة فارغة للإيميل التالي
sfi000123-subscribe@yahoogroups.com
أو أدخل للصفحة
http://tech.groups.yahoo.com/group/sfi000123/
__._,_.___
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق