نتوافق مع المشركين
ولا نلتقي مع المراوغين العاجزين
د: وائل محي الدين الزرد
5-7-2011
إنَّ مما ابتليت به الأمةُ في تاريخها الطويل، وجودُ كَمٍّ لا بأس به من المتحكمين في مصيرها لا يملكون قرار أنفسهم، تظهر عليهم علامات العجز والكسل، يسلمون رقابهم لجلاديهم ويشحذون السكين لقاتليهم ويَتُلُّوا أنفسَهُم للجَبِين قائلين، اذبحونا وافعلوا ما شئتم بنا فستجدونا -إن شئتم- من الصابرين !
ومثل هؤلاء العجزة المراوغين لا يمكن أن تصل معهم إلى حل، فأمرهم ليس بأيديهم وقرارهم ليس من رأسهم، لأن مصالحهم مرتبطة بقرار أسيادهم الذين يرسمون لهم خططَ حياتِهم وسبيلَ سيرِهم، وليس لهم أن يتنكبوا الطريق المرسوم إليهم، وإلا فإن الجزرة ستنقلب إلى عصى، ولا زالت صورة إعدام الرئيس العراقي ماثلة أمامهم جميعًا .
ولذا كان الالتقاء والتوافق مع المشركين على الكثير من القواسم المشتركة، أيسر بكثير من الالتقاء والتوافق مع مثل هؤلاء، فالمشركون لا يكتمون عدائهم لنا، ولا يسرون بغضهم لنا، بل إنهم يظاهروننا العداوة والبغضاء، ويسعون سرًّا وعلنًا للقضاء علينا ومسحنا عن الخارطة، ولكنَّ العجزة المراوغين فاقدي القرار الذين سلموا زمام أنفسهم لأعدائهم وربطوا مصيرهم بالهيكل لا بالأقصى، يقفون أمام الشاشات المتلفزة صارخين بالحقوق الوطنية والمصالحة الشعبية، ثم يوقعون ويعلنون الحرص والموافقة فالأمر لا يحتمل أكثر من هذا ثم فجأةً : "يعتذر الرئيس عن اللقاء المرتقب في القاهرة لانشغاله بسفر مفاجئ إلى تركيا" ! .
يُعطيكَ منْ طرفِ اللسانِ حلاوةً ويروغُ منكَ كمَا يروغُ الثعلبُ
وقد كتبت سابقًا عن المصالحة الفلسطينية بين حركتي حماس وفتح، وأظهرت أنها ممكنة وليست مستحيلة، لأن توحيد شقي الوطن سياسيًا مطلب وطني وشرعي، فقواسم التوافق والتوحد أكثر من أن تحصى وهي أكثر بكثير من أسباب التفرق والانقسام، وسميت المقال وقتها : (المصالحة بين الممكن والمستحيل) .
ثم لمَّا خرج المستهترون الفارغون إلى شوارع غزة مطالبين –حسب زعمهم- بإنهاء الانقسام، ورأيت بعيني هؤلاء سواء الشباب أو الشابات، دعاني ما رأيت إلى كتابة مقالٍ بعنوان : (لا لإنهاء الانقسام)، يعني إن كان على يد هؤلاء وإن كان لا ينتهي إلا بمثل ما أحدث هؤلاء الفوضويون بيومين أو ثلاث من فوضى وعبث .
واليوم وبعد أن أدار الرئيس الفلسطيني للتوافقات ظهره، ولم يعر التوقيع على المصالحة في مصر اهتمامًا، وقلب الطاولة على الجميع، أيقنت أنه لا يمكن أن نلتقي مع من فقد قرار نفسه، وما عاد يمتلك لنفسه ضرًا ولا نفعًا، فالتوافق مع المشركين أيسر بكثير من الالتقاء بالعاجزين الفارغين، الذين لا يعرف في قاموس حياتهم السياسي إلا : نعم، ونعم لكل شيء، وعلى أي شيء، و"نَعَمُهُمْ" هذه لأعدائهم ومواليهم، و"لاؤُهُمْ" –إن وُجدت- فهي ليست إلا لأبناء شعبهم فقط !
فالذين يربطون مصيرهم بقرار عدوهم –إن عدَّوْهُ عدوَّهم- لا يمكن بحال أن يتفق معهم، لأنه من اليسير جدًّا أن تبعثر كل الأوراق وأن تلغى كل الاتفاقيات لأن الأمريكي أو الصهيوني ليس موافقًا، أو أنه لم يستشر، ولم يعط الضوء الأخضر، ولذا لتقف كل مسيرات الاتفاق ولتقف كل حوارات التفاهم حتى يأذن لمن يشاء بما يشاء ويرضى !
ولقد شهد التاريخ البشري الطويل الكثير من الاتفاقات بين المسلمين وبين غيرهم من المشركين، فاتفاقات مع يهود المدينة على اختلاف طوائفهم، واتفاقات وتفاهمات مع كسرى الفرس وقيصر الروم، وصلح مع أهل مكة لسنوات، وبقيت هذه الاتفاقات تحترم ويعمل بها ما لم تخرم من قبل غيرنا، وما دامت الاتفاقات تحميها القوة العسكرية والتماسك البشري فلن يخيفنا نقض عهد أو نبذ ميثاق، ولكن ...
المراوغون العاجزون أضعف من إبرام اتفاقٍ، وأهون من أن يَسمح لهم أسيادُهم باحترامِ ميثاق، فالمصلحة ليست مصلحتهم والأمر ليس أمرهم، فما هم إلا دُمًى في أيدي الساسة الكبار يقدمونهم متى شاءت مصالحهم ويؤخرونهم متى اقتضت مصالحهم، وما الاتفاقات الكثيرة التي وُقِّعت برعايةٍ عربيةٍ كبرى عنا ببعيد، فلا أرضُ مكة شفعت ولا أرض مصر كنانة العرب نفعت، فخطط قلب الطاولة جاهزة، والعاملون في بنك الأزمات على أتم الاستعداد لتفعيل أي أزمة للخروج من غلطة وخطيئة المصالحة !
وقد نجد العذر الكبير للإخوة في قبول أي اتفاق للمصالحة لطي صفة الانقسام، وقد يعذروا في قولهم : سندفع أي ثمن لإتمام المصالحة، ولكن الذي ظهر بجلاء ووضوح أن القوم لا يملكون إنهاء ملف الانقسام ولا إتمام قضية المصالحة، فقد أعجب أسيادُهم انقسامَ البلاد، وتفككَ الأرض، وخلا للمعتدين اليهود الجوُّ في تهويد المدينة المقدسة وإمعان الحفر تحت المسجد الأقصى لتيسير عملية الهدم المرتقبة !
وقد ثبت في صحيح البخاري 6133 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: [لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ]، وها نحن نرى الإخوة في قيادة حركة حماس -إمعانًا منهم في إتمام المصالحة وإنهاء الانقسام- يُلدغون أكثر من مرة من نفس الجحر، ويصبرون على اللدغ وهو قاسٍ، وهم في موقف لا يحسدون عليه، فالشعوب العربية والإسلامية ترقب المصالحة وتتابعها .
وحركة حماس بين رغبةٍ في المصالحة وصدقٍ في إتمامها من جانب، وبين تعاملٍ مع المراوغين العاجزين فاقدي القرار من جانب آخر، يظهر بين هذا وذاك صعوبة الموقف، إذ ليس سهلًا أن تنفض حركة حماس يدها من المصالحة وتعلن رفضها سرًّا أو جهرًا، فمصلحة الشعب والقضية والقدس والأسرى واللاجئون ، كل هذا مرتبط بلا شك في المصالحة وإنهاء الانقسام ،،، .
فما العمل ؟ أشيروا علينا أيها الناس ...
مع خالص التحيات
--
SFI000123 [ Gaza ] Group
للإشتراك بالمجموعة أرسل رسالة فارغة للإيميل التالي
sfi000123-subscribe@yahoogroups.com
أو أدخل للصفحة
http://tech.groups.yahoo.com/group/sfi000123/
__._,_.___
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق